مَسَارُ مِلَفِّ حُقُوقِ الْإِنْسَانِ فِي الْمَغْرِبِ أَكْبَرُ مِنْ تَقَارِيرَ مُتَحَيِّزَةٍ..!

عرف المغرب منذ أزيد من عقدين تطورات هائلة في مجال حقوق الانسان، بفضل وعي المؤسسة الملكية بضرورة الإصلاح الشمولي لأوضاع البلاد حين جلوس الملك محمد السادس على عرش المملكة المغربية صيف سنة 1999، حيث وجد وقتها ملفات ثقيلة من قبيل القضية الحقوقية بكل أبعادها وتعدد ملفاتها، بحكم أن المغرب عندما حصل على الإستقلال عام 1956 عاش على إيقاع انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان طيلة العقود الموالية لحدث الإستقلال، وذلك بشهادة العقلاء وضحايا سنوات الرصاص كما تسمى عندنا.
وتطور مجال حقوق الإنسان في المغرب كمنظومة كونية في كل حين بشكل سريع من ناحية الحقوق الإقتصادية والثقافية والإجتماعية، حيث شهد بداية أوراش للإصلاح في عدة ميادين حقوقية كالقضية الأمازيغية والقضية النسائية وقضية التنمية البشرية، وآليات مؤسساتية تهدف إلى تعزيز حقوق الانسان به، حيث تم تحقيق مكاسب مهمة وتراكم هام يستحق التشجيع في هذه الميادين.
وضمن سيرورة التفاعل المتواصل للمغرب مع مقتضيات المواثيق والمعاهدات الدولية لحقوق الإنسان بصفة عامة، والحقوق الثقافية واللغوية بصفة خاصة، تم إحداث مؤسسة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية التي تعتبر مرجعا أساسيا للنهوض بالأمازيغية كثقافة وكهوية على صعيد المنطقة المغاربية، حيث أن المغرب أصبح نموذجا في هذا الشأن بفضل وجود هذه المؤسسة، إذ أصبح للحقوق اللغوية والثقافية موقعاً دستورياً لم يكن من قبل، من خلال ديباجة الدستور والفصول 5، و19، و25، و31، و34.
وتحقيقا لأحكام ومقتضيات الدستور وتعزيز التربية على حقوق الإنسان، تم إنشاء المجلس الإستشاري لحقوق الإنسان، الذي أصبح فيما بعد المجلس الوطني لحقوق الإنسان، حيث شكل نقطة تحول في تكريس مبادئ حقوق الإنسان ومأسسة العمل من أجل تعزيز هذه الثقافة سواء لدى صناع القرار أو لدى المواطنين العاديين.
وتعد تجربة هيئة الإنصاف والمصالحة تجربة رائد في حقوق الإنسان نفتخر ونعتز بها، حيث عملت هذه الهيئة في البحث عن الحقيقة في ملفات انتهاكات حقوق الإنسان وإنصاف الضحايا، من خلال جبر الضرر ورد الإعتبار لهم، وذلك عن طريق تنظيم برنامج جلسات عمومية تبث على شاشة التلفزة وأمواج الإذاعة الوطنية المغربية للإستماع إلى ضحايا الإنتهاكات إبان سنوات الرصاص، للتعبير بصفة شخصية ومباشرة عما تعرضوا له من تنكيل وتعذيب وإهدار للكرامة، وما تعرض له ذووهم من أضرار جسيمة مادية ومعنوية.
وإذا ما انتقلنا إلى مكافحة الجريمة وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، نجد أنه تم إحداث “مرصد وطني للجريمة”، والذي يعتبر مؤسسة ذات استقلالية مالية وإدارية، الهدف منها تعزيز حكم القانون والمساهمة إلى جانب باقي المتدخلين في التربية والتحسيس والتوعية بمخاطر الجريمة وتعزيز ثقافة حقوق الإنسان، كما سيساهم في بناء شبكة معلوماتية تروم تسهيل الدراسات والأبحاث حول الجريمة وخرق القانون بالمغرب.
كما تعتبر “مؤسسة الوسيط” آلية من الآليات الموازية التي تعنى بحقوق الانسان، في إطار تفعيل الإصلاح المؤسسي الشامل، لتمكين البلاد من منظومة حقوقية وطنية متناسقة حديثة وناجعة، لصيانة كرامة المواطن وحماية حقوقه والنهوض بها، وذلك في انسجام مع المعايير الدولية في هذا الشأن.
إن المراقب لوضعية حقوق الإنسان في المغرب، لا يمكن إلا أن يؤكد بأن هناك مكتسبات جديدة على مستوى آليات مؤسساتية في مجال حقوق الإنسان عرفها المغرب منذ سنة 2011 مبتدئة بالدستور الجديد، الهدف منها الرقي بحقوق الإنسان بالمغرب.
ولسنا ها هنا ننكر تلك الإستثناءات التي قد تقع في أي دولة من الدول بخصوص انتهاك حقوق الإنسان، أو تعريض شخص ما للتعذيب، لذلك فمن غير الصائب تسويد هذه المراحل النضالية من أجل النهوض بحقوق الإنسان والحريات العامة بسبب حالات متفرقة هنا وهناك، كما أنه لا ينكر عاقل من أن المغرب عرف تطورا على هذا المستوى، فسنوات 1970 إلى حدود 1990 لا توحي مطلقا بواقعنا اليوم، وهذا إن كنا من المنصفين.
المغرب سائر قدما نحو تطوير ملف حقوق مواطنيه، ولن تثنيه التقارير غير الرسمية وإن كانت دولية على هذا التوجه.

راديو تطوان-فتيحة ماء العينين باحثة في القانون والإعلام

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.