ذكرياتي مع ” الأستاذ ” – الحلقة 8
الحلقة 8
” شراع ” في مقاهي طنجة
يلبس عدنان سروالا زهي الألوان وقميصا مزركشا بالورود، حاكته يدا أمه المبدعتان. ينتعل حذاء كلاسيكيا لامعا. يلبس نظارتيه الطبيتين المثبتتين بسلسلة بلاستيكية، قبل ذلك يمشط شعره الذهبي، فيبدو وكأنه ابن ذوات، وليس ابن مدرس اللغة العربية بالتعليم الإعدادي. يحمل محفظته المدرسية فوق كتفيه الغضتين. يمتطي سيارة أجرة مشتركة، تنقله ومحفظته المحشوة بأربعين كتابا من سلسلة شراع، تنقله من ” الرويضا ” ببني مكادة إلى ” رأس المصلى ” بقلب المدينة.
يبدأ جولته الصباحية حسب خارطة الطريق التي رسمتها له من مقهي ” إيبيريا”، ومنها ينتقل إلى مقهى المنزه، حيث يجلس الكثير من معارفي.
وهكذا يستمر نزولا إلى أن يصل إلى منطقة ” النجمة “. هناك يتخلص من حمولته، أويكاد، حينها يلتحق بنا أخواته وأنا بالشاطئ البلدي، يوم كان هذا الأخير أجمل شاطئ بالمغرب.
نقضي ما تبقى من نهارنا في مرح وحبور، ثم نعود إلى بيتنا بحي البوغاز. مشيا على الأقدام.
حين تأذن الشمس بالمغيب، يخرج عدنان في جولته المسائية. وهي لا تختلف عن سابقتها الصباحية إلا في عدد الكتب المحملة، حيث تتراوح بين ستين وثمانين كتابا.
هكذا قضى عدنان سنتين من يفاعته، يبيع كتاب شراع في مختلف مقاهي طنجة، لا يُفوت عطلة أو عيدا دينيا أو وطنيا إلا ويكون متواجدا ب” بضاعته” وابتسامته البريئة الواثقة.
★★★★
حكى لي يوما، أنه دخل مقهى فاخرة من مقاهي تبييض الأموال، فقصد جماعة متحلقة حول مائدة، تبدو عليهم بشائر النعمة والوقار.
شرع يوزع على كل واحد منهم نسخة من كتاب عبد الجبار السحيمي ” بخط اليد “، وهو يستعرض الفقرة التي حفظه إياها الأستاذ. (هذا كتاب سلسلة شراع لخدمات الإعلام والتواصل. نصدره من أجل مجتمع مغربي قارئ. ).
لم يهتم أحد من الجماعة بما وُضع بين يديه إلا واحد. أخذ يتأمل صورة السحيمي بتمعن. ثم وضع الكتاب فوق الطاولة وفوقه درهما.
جمع الصبي كتبه، وهو يقول للرجل مبتسما:
_ أستاذ أنا أقدم لك الثقافة والمعرفة، وأنت تعلمني (السعايا). !
★★★★
عدنان حاليا تاجر ناجح وأب لطفلين جميلين.
البشير المسري ★★★★ يتبع