شكرا شعب فلسطين

يبدو أن البعض في حركة حماس ما زال يعاند ويكابر ولم يتعلم درسا من انكشاف أكذوبة (الربيع العريي)، وما جرى ويجري في الأراضي الفلسطينية، وخصوصا في قطاع غزة خلال العقد الأخير. هذه الفئة في حركة حماس اختزلت التاريخ الفلسطيني وتاريخ الإسلام في فلسطين بسنوات وجود الحركة وتاريخ المقاومة بأول رصاصة أطلقتها حماس على الإحتلال، وتاريخ الحركة الأسيرة بأول أسير لحماس، واختزلت أصدقاء وحلفاء فلسطين بمن يعترف بحركة حماس ويؤيدها ويُغدق عليها المال، واختزلت جغرافيا فلسطين بقطاع غزة، وشعب فلسطين بالمنتمين للحركة ومناصريها، هذا إن اعترفت هذه الفئة بوجود شعب فلسطيني ومشروع وطني فلسطيني.

في سياق هذه العقلية وهذا التفكير، جاء الفيديو  حول الأوضاع في قطاع غزة والذي حمل عنوان (شكرا حماس)، وهو ليس الأول الذي توجه فيه حركة حماس أو أنصارها الشكر لطرف ما. فقبل أن تشكر نفسها وتخوِّن وتُكَفِر الآخرين شكرت قطر وتركيا وإيران ومرسي وكل مَن قدَّم لحماس مساعدات عينية أو مالية أو دعما سياسيا. هذا بالإضافة إلى أن الشريط، وغالبية الحديث عن إنجازات حركة حماس، لا يتحدث إلا عن قطاع غزة وكأن غزة حلت محل فلسطين!

الشعب الفلسطيني وخصوصا في قطاع غزة، يعرف حقيقة الأوضاع في القطاع، وتقارير المنظمات الدولية واضحة في تشخيص الأوضاع فيه، والكل يعرف ما آلت إليه القضية الفلسطينية بعد سيطرة حماس على قطاع غزة. إلى ما قبل موافقة حماس على إجراء الإنتخابات المحلية، كان إعلام حماس وقادتها لا يكلون ولا يملون في الحديث عن الحصار والفقر والبطالة ونقص الغذاء والماء وانتشار الأمراض والأوبئة وتوقف حركة العمران إلخ، مُحملين مسؤولية ذلك للحصار وإسرائيل والسلطة الفلسطينية، فكيف بقدرة قادر أو سحر ساحر أصبحت غزة قُبَيل الانتخابات المحلية تنعم برغد العيش ويحسدها العالم على ما فيها من خير ورفاه واستقرار؟!

إنه خطاب وحملة دعائية بقدر ما هي ساذجة أو تراهن على سذاجة بعض الناس، وخصوصا خارج قطاع غزة، فإنه في نفس الوقت خطاب على درجة كبيرة من الخطورة، ليس بسبب ما يتضمنه من نكران للجميل وتنكر للتاريخ الفلسطيني، بل لأن الشعب الفلسطيني وأهل قطاع غزة على وجه الخصوص سيدفعون ثمن هذا التحول في خطاب حماس.

المساعدات التي تقدمها الدول العربية للفلسطينيين ليست منة أو فضلا، بل هي أقل القليل من الواجب عليها، لأنها مسؤولة عن نكبة الشعب الفلسطيني وضياع فلسطين في حربي 1948 و1967. أما الدول الإسلامية فواجبها اتجاه الشعب الفلسطيني أكبر، لأن فلسطين وقفٌ إسلامي كما يقولون، والقدس ليست مقدسة فقط بالنسبة للفلسطينيين بل لأكثر من مليار ونصف مليار مسلم، والواجب عليهم تحريرها من دنس الإحتلال الصهيوني، وليس مقايضة هذا الواجب ببعض الملايين لحركة حماس أو غيرها.

الواجب القومي والإسلامي على الدول العربية والإسلامية يفرض عليها استعادة فلسطين من الكيان الصهيوني أو على الأقل وقف العدوان الإسرائيلي وحماية المقدسات، وليس مجرد تقديم مساعدات مالية لهذا الفصيل الفلسطيني أو ذاك، أو معونات من الدقيق والسكر والمعلبات والأدوية.

مع كامل التقدير والإحترام للدول والشعوب العربية والإسلامية والأجنبية التي تساعد الشعب الفلسطيني بصمت وبدون انتظار شكر، إلا أن مبالغة حركة حماس في شكر أنظمة عربية وإسلامية وتضخيمها للدعم الذي تقدمه هذه الأنظمة وإضفاء كل صفات النبل والوفاء عليها، شجع هذه الانظمة على تطبيع علاقاتها مع إسرائيل سياسيا وأمنيا واقتصاديا، بحيث كانت كل دفعة مالية يتم تقديمها لحركة حماس وغيرها يقابلها خطوة نحو التطبيع مع إسرائيل.

كان على حركة حماس بدلا من أن تشكر نفسها وتشكر حلفاءها، أو الذين كانوا حلفاءها ثم تخلوا عنها أو تخلت عنهم، أن تشكر الشعب الفلسطيني.

نعم، إن كان لا بد من الشكر فالشكر لشعبنا الفلسطيني العظيم برجاله ونسائه وأطفاله، بشهدائه وأسراه وأُسَرِهم، وللقابضين على الجمر داخل الوطن وخارجه، وبجنوده المجهولين الذي يعملون بصمت: المقاتلون في كل الأحزاب والفصائل وفي الأجهزة الأمنية والشرطية، المثقفون والمبدعون في كل المجالات، الإعلاميون والصحفيون في مختلف وسائل الإعلام، المدرسون والأكاديميون، الأطباء والمهندسون، العمال والفلاحون وكل أصحاب الحرف والصنائع، الناشطون في مؤسسات المجتمع المدني إلخ.

شكرا لهذا الشعب الذي يقدم ويضحي بلا حدود ويصبر على أخطاء أحزابه وسياساتهم المأزومة، الشكر لشعبنا في قطاع غزة الذي تعرض في أقل من ست سنوات لثلاثة موجات من العدوان الصهيوني المدمر بالإضافة للحصار. شكرا لشعبنا الفلسطيني الصامد في القدس والضفة الفلسطينية الذي يواجه سياسات التهويد والإستيطان ويفدي بدمه كل شبر أرض وشجرة زيتون، الشكر لأهلنا في الداخل الفلسطيني الذي يتمسك بهويته الفلسطينية ويواجه عنصرية وحقد دولة إسرائيل والصهاينة بكل شمم وعزة. الشكر لشعبنا في مخيمات الشتات وخصوصا في سوريا ولبنان الذي يدفع بدمه ضريبة حروب أهلية صنعها الغرب وجماعات دينية متطرفة ومتخلفة، الشكر لشعبنا الفلسطيني في كل مناطق الشتات الذي يحمل معه حب فلسطين والوطنية الفلسطينية أينما حل وارتحل، والذي يقود حملة مقاطعة إسرائيل B.D.S، ويكشف زيف خطابها.

وأخيرا، الشكر لكل فلسطيني يقول أنا فلسطيني أولا، ويُعلي راية الوطنية الفلسطينية على غيرها من الرايات والإنتماءات والأيديولوجيات. الوطنية الفلسطينية تستوعب الجميع وفيها متسع للجميع ممن يؤمنون بها، كما لا تلغي حرية الرأي والتعبير والمعتقد.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.