الداخلة: لؤلؤة الصحراء المغربية

الداخلة أو شبه جزيرة الداخلة، هي مدينة تحت السيادة المغربية تطالب بها جبهة البوليساريو التي تأسست سنة 1973 كجزء من الجمهورية الصحراوية الوهمية، والتي تسعى إلى إقامتها بشكل كامل في الصحراء المغربية جنوب المملكة.

تقع الداخلة في الجنوب الغربي للمملكة المغربية وهي آخر نقطة حضرية عمرانية، وتبعد حوالي 600 كلم عن الحدود المغربية الموريتانية المتمثلة في نقطة «الكويرة» وحوالي 650 كلم جنوب مدينة العيون، وهي عاصمة جهة الداخلة وادي الذهب وثاني أكبر مدن الجـنوب المغربي بعد مدينة العيون، ويبلغ عدد سكانها 60 ألف نسمة.2

جهة الداخلة وادي الذهب هي إحدى الجهات الإدارية في التقسيم الجهوي الجديد للمملكة المغربية منذ 2015، الجهة مستحدثة طبقا للتقسيم الجهوي الجديد، بعد ما كانت تسمى سابقا بجهة وادي الذهب الكويرة، وهي الجهة الوحيدة التي بقيت كما كانت في السابق ولم يطلها أي تغيير سوى في التسمية، تحدها كل من جهة العيون شمالا وموريتانيا جنوبا والمحيط الأطلسي غربا والجزائر شرقا، وتضم إقليمي أوسرد، ووادي الذهب، ويبلغ عدد سكانها حوالي 142 ألف نسمة حسب إحصائيات 2014 وهي أدنى نسبة في البلاد.

الداخلة عبارة عن شبه جزيرة بطبيعة صحراوية، تحدها ثلاثة سواحل أطلسية تتوغل 40 كلم في عمق المحيط الأطلسي وتربطها باليابسة بحيرة هادئة هي عبارة عن خليج بعمق متوسط يسمى “خليج وادي الذهب”، حيث تلتقي رمال وكثبان الصحراء بأمواج المحيط الأطلسي، الشيء الذي جعل من المدينة أشبه بسفينة ضخمة تخترق عباب المحيط، ومن هنا جاءت تسميتها بـ “الداخلة” لأنها مدينة عائمة داخل البحر، تتمتع المدينة بمناخ دافئ وبأكثر من 300 يوم مشمس طوال السنة، وتعد المدينة الوحيدة في العالم التي تشرق فيها الشمس وتغرب على صفحة البحر.3

تــشــكلت الــنــواة الأولى لمدينة الــداخلة في فبراير سنة 1884 حيث أنشأ الإسبان حصنا لهم على ساحلها، وأرسلت إسبانيا آنذاك سفينتين تجاريتين إلى الداخلة بهدف استغلال سواحلها لأجل الصيد بضغط وإجبار على المغرب، ورفع العلم الإسباني في عدد من النقاط المجاورة وأبرزها الرأس الأبيض “الكويرة الحدود المغربية الموريتانية حاليا”، ثم في الداخلة التي أطلقت عليها اسم «فيا ثيسنيروس» وذلك تكريما للقس الإسباني “فرانسيسكو ثيسنيروس”، لكونه جد محبوب في الأوساط الكاثوليكية الإسبانية باعتباره رمزا للمعلم الصادق.

استمر الإستعمار الإسباني في الداخلة إلى حدود سنة 1975 التي عرفت تنظيم أحد أضخم أحداث المغرب السياسية وهو حدث المسيرة الخضراء، حيث أعطى الملك الراحل الحسن الثاني الإشارة لحوالي 350 ألف مغربي ليزحفوا نحو الجنوب في مسيرة خضراء سلمية حاملين أعلاما ومصاحف لأجل تحرير الصحراء من قبضة التواجد الإسباني على أراضيها الذي دام أكثر من 90 سنة، ورغم أن اتفاقا ثلاثيا مغربيا إسبانيا موريتانيا قسم الصحراء بين المغرب وموريتانيا لحظة خروج إسبانيا من المنطقة، إلا أن المغرب تمكن من استرجاع الداخلة  سنة 1979.4

تنتصب وسط مدينة الداخلة قبالة ساحة الحسن الثاني كنيسة كاثوليكية قديمة شيدها الإسبان قبل أكثر من قرن من الزمن، حيث لا تزال ملامح المعمار الأيبيري واضحة في بعض شوارع المدينة، ولا تزال أحياء بأكملها سكنها الإسبان قائمة وتحول بعضها لمساكن للجنود وإدارات عمومية، وتمتاز المدينة بنظافة شوارعها ونقائها والتي تفاجئ زوارها الذين لا يتوقع أغلبهم أن تتصف مدينة ذات مناخ صحراوي بأوصاف مماثلة، وفي غرب المدينة على الساحل الأطلسي، تطل منارة بحرية قديمة بطول 60 مترا على جرف بحري وعر كانت قد أنشئت لإرشاد السفن، وعلى مقربة منها توجد معلمة تاريخية قديمة تدعى “لمبريس” كانت أيضا عبارة عن منار بحري، قبل أن يحولها المستعمر الإسباني في بداية الخمسينيات من القرن الماضي إلى معتقل يتم فيه سجن المقاومين المغاربة الذين عارضوا الإستعمار الإسباني في المنطقة.

يعتبر الصيد البحري في مدينة الداخلة من أهم الموارد الإقتصادية للمغرب ككل، فهي تتوفر على أهم ميناء صيد بحري في إفريقيا وتشتهر بصناعة السمك “المصبر”، وتربطها بباقي مدن المغرب خصوصا مدينتي الدار البيضاء وأسفي يوميا مئات الشاحنات المحملة بالأسماك التي يتم «تصبيرها» وإعدادها للتصدير، وهي تتوفر على مخزون سمكي ضخم من أجود الأصناف البحرية خصوصا الأخطبوط والمحار وسمك السردين، ويبلغ السطحي فقط من الأسماك في خليج الداخلة حوالي ستة ملايين طن.5

واشتهرت المدينة أيضا بمزارع خاصة بتربية المحار البحري وهو نوع من القواقع البحرية الفاخرة التي تؤكل أحيانا نيئة، ومن أشهر هذه المزارع مزرعة “أحمد كيدا” التي تقع على بعد 15 كلم شمال شرق المدينة، وتنتج لوحدها حوالي 40 طنا سنويا من المحار الكبير الحجم والعالي الجودة، ففي المزرعة تنتشر في البحر مئات الأقفاص التي تحوي قطع المحار متكئة على عصي بشكل يجعلها تلامس الماء دون أن تلامس القاع والرمل، وفي الداخلة فقط يمكن للمرء أن يتناول المحار مباشرة من البحر.

اشتهرت الداخلة بتربية الماشية وبشكل خاص الإبل، ويبلغ عدد رؤوس الإبل أزيد من 25 ألف رأس بجهة وادي الذهب الداخلة، وذلك بفضل طابعها الرعوي ووجود العديد من نقط الماء، ومن أهم السلالات التي يتم تربيتها في هذه الجهة هناك “الغرزني 60 في المائة” و”المرموري 35 في المائة” و”الخواري 5 في المائة”، ويبلغ الإنتاج السنوي من لبن الإبل على مستوى جهة وادي الذهب الداخلة نحو 4 ملايين لتر مقابل 600 ألف لتر من حليب الأبقار، فيما يقدر إنتاج اللحوم الحمراء بـ 258 طن وإنتاج الصوف بنحو 2,5 طن في السنة.6

تتوفر الداخلة على ضيعات زراعية مغطاة لإنتاج الخضر ونوع نادر من الطماطم، فهي من أكبر مصدري الطماطم الصغيرة الحجم والحلوة المذاق إلى أوروبا وأمريكا، مخالفة بذلك كل التوقعات حول اعتبار الصحراء أرض قاحلة غير قابلة للزراعة.

فرضت السياحة نفسها في السنوات الأخيرة في مدينة الداخلة كمورد اقتصادي بفضل سحر موقعها الجغرافي لمحبي كثبان الصحراء الرملية وخليجها الهادئ، مما جعلها الأنسب لرياضة ركوب الأمواج بحيث تعتبر منطقة آمنة خالية من المخاطر لممارسي هذا النوع من الرياضة، وهو ما أهلها لاحتضان منافسات المرحلة ما قبل النهائية لكأس العالم في رياضة “كايت بورد”، والذي شارك فيها 60 بطلا من 25 بلدا بينهم 15 مغربيا، ويعود نجاح هذه التظاهرة إلى طبيعة المنطقة الصحراوية الدافئة الأجواء والرياح القوية إضافة إلى الجو المشمس التي تشهده المدينة طول السنة.

سرعان ما انتقلت الداخلة إلى مصاف المدن الواعدة التي تستقطب تظاهرات وأحداث دولية هامة، من ضمنها منتدى “كرانس مونتانا” العالمي المتخصص في معالجة القضايا البيئية، حيث اعتبرها منظمو المنتدى مدينة ذات موقع جغرافي استراتيجي يؤهلها لتكون بوابة عمق الجنوب المغربي على الساحل الأطلسي.7

وتنظم المدينة أيضا أحداثا فنية وثقافية طوال السنة، من ضمنها مهرجان الداخلة السينمائي الدولي الذي ينظم كل عام في شهر نونبر، حيث يستقطب كبار نجوم العالم العربي والغربي، بالإضافة إلى مهرجان الداخلة للضحك، والذي تنظمه جمعية خليج الوادي للتنشيط والتنمية في شهر يوليوز من كل سنة، زيادة على المهرجان الوطني للمسرح المدرسي، والذي ينظم كل عام في شهره الخامس.

وتحتضن الداخلة أياما ثقافية ومهرجانات خاصة بالغناء والشعر الحساني، وهو نمط من أنماط الأدب الشعبي العربي الذي تختص به المنطقة، وله بحور وأوزان مثل الشعر العربي الفصيح، وأصل كلمة حساني من اللهجة الحسانية التي يعرف بها أهل موريتانيا والصحراء المغربية، وينظم هذا المهرجان في شهر نونبر من كل سنة.

تتوفر مدينة الداخلة على فنادق فخمة ومخيمات سياحية حديثة تطل على البحر، أبرزها فندق “كاليبو صحارى” وفندق “سبا باب البحر”، وتمزج هذه الفنادق بين الإقامة المترفة والخدمات ذات الدرجة الأولى، إضافة إلى توفرها على شاطئ خاص ومسبح ضمن مسافة مرمى حجر عن البحر وبموقع ممتاز، كما تحتوي المدينة على مطار يربطها بباقي مدن المملكة، وهذا ما جعلها ضمن أفضل 45 وجهة في العالم حسب مجلة “تايمز” الأمريكية.

تشكل “الملاحف” معرضا فنيا متنقلا يؤثث فضاء مدينة الداخلة، كزي تقليدي نسائي يجمع بين جمالية الشكل وتناسق الألوان، ويجسد مظهرا من مظاهر التراث المغربي الأصيل الغني والمتنوع، وتعتبر “الملاحف” الزي الرسمي والمفضل لدى المرأة الصحراوية، حيث تشكل جزء من هويتها وانتمائها إلى بيئة مغربية، تحمل في طياتها قيم المجتمع البدوي التقليدي المحافظ، والذي يفرض على المرأة أن تكون محتشمة.8

يحظى الشاي بمكانة كبيرة في مدينة الداخلة فهو طقس أقرب للتقديس مرتبط بيوميات الإنسان الصحراوي، والتفنن في إعداده هو أحد تعبيرات الترحاب بالضيف، ولا تستقيم جلسات أهل الصحراء دون عدة الشاي وشخص مختص يقوم بإعداده أمام أنظار الحضور يدعى بـ “القيام”، ويشترط فيه بلاغة اللغة وفصاحة اللسان وسرعة البديهة والقدرة على تطبيق شروط الشاي التي يطلق عليها “جيمات الشاي الثلاث”، وهي جيم “الجماعة” حيث يفضل دائما أن يعد الشاي ويشرب ضمن جماعة من الناس، وجيم “الجر” وهي إطالة مدة إعداد الشاي، حتى يتسنى للحضور تدارس ومناقشة أمور الساعة بتأن وروية، ثم جيم “الجمر” وهي ضرورة إعداده على جمر ملتهب مما يضمن المذاق الرائع والجودة الفاخرة، ويتميز الشاي الصحراوي بمذاقه القوي ويقدم عادة دون نعناع مع إضافة قليل من العنبر، ويعد تقديم الشاي للضيوف من كرم الضيافة، ومن غير المقبول في الثقافة الصحراوية رفض دعوة للشاي، إذ يعتبر ذلك مساساً بالتقاليد.

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.