عِنْدَمَا تَهْرِفُ الْأَلْسِنَةُ بِمَا لاَ تَعْرِفُ..!

قطعت المملكة المغربية أشواطا مهمة اتجاه تكريس حقوق الإنسان وفسح المجال أمام الحريات العامة، وقد كانت بداياتها الحقة منذ إعلان دستور جديد للبلاد سنة 2011.

وإنه لمن الغريب والعجيب مشاهدة من يحاول ضرب هذه الإنجازات في العمق، ويبخس منها رغم إشادة العالم بذلك، بما فيهم الدول الغربية والعربية وحتى الإفريقية، إضافة إلى المنظمات الدولية الرسمية وغير الرسمية.

ونحن نعني هنا هذه الحملة الهوجاء الخابطة خبط عشواء، والتي تنهجها سياسة الجبهة الإنفصالية فيما تعرف بــ “البوليساريو”.

هذه الحملة استهدفت الحدث الأخير الذي يرتبط بعقد منتدى “كرانس مونتانا” المنظم ما بين 4 و6 مارس القادم، وذلك لبحث “إفريقيا والتعاون جنوب جنوب” بمدينة الداخلة أقصى جنوب المغرب، بدعوى أنها مدينة تقع في منطقة نزاع بين المملكة والجبهة لا يجوز عقد منتدى بهذا الإشعاع الدولي فيها.

يهدف منتدى “كرانس مونتانا” والذي تأسس عام 1984 بسويسرا، ويترأسه السفير “جان بول كارترون” إلى تشجيع التعاون الدولي والحوار والتنمية والسلم والأمن في العالم، ويعد المنتدى منظمة دولية غير حكومية فرضت نفسها خلال السنوات الأخيرة ضمن أجندة القيادات والمسؤولين الذين يطمحون إلى إيجاد فرص جديدة للتعاون الدولي في شتى المجالات.

ولعل عبارة “التعاون والحوار والتنمية والسلم والأمن” التي يتوخاها المنتدى، لا تعد من بين أهداف ومبادئ جبهة البوليساريو، فلو كان كذلك لما أقامت الدنيا ولم تقعدها، تريد بذلك ثني الدول والشركاء عن المشاركة في هذا المحفل الكبير!

وكانت أقلام الإنفصاليين كثيفة، حيث انهالت على الإنتقاد واللعب على عواطف القراء من دون طائل، فليست الكثافة رمزا للقوة، إذ أن الدخان الكثير الأسود تذروه نفخة هواء نقي واحدة، وهذا ما وقع فيه “أصحابنا” إن كانوا يعلمون.

ومثالا على ما تقدموا به، أجدني متعجبا من هكذا طرح، حينما يقولون في إحدى مقالاتهم: “يجب الإمتناع عن المشاركة في عملية ستمثل مع الأسف الشديد تواطؤا مخجلا مع السياسة الإستعمارية للمملكة المغربية، التي تسعى لإضفاء الشرعية على احتلالها العسكري اللاشرعي، عبر توريط الدول والشركات والهيئات العالمية في عملية سرقة مفضوحة واستغلال خارج عن القانون لثروات الشعب الصحراوي التي يحرم منها ظلما وعدوانا”.

القارئ لهذه الجملة منذ أول وهلة يعتقد أننا بصدد سرد تاريخ قديم كالإستعماريات الزائلة من إمبراطوريات ودول كبرى خلت، ثم أن عبارة “توريط” تحط من قيمة الدول والشركات المشاركة في المنتدى، وكأن المغرب دلس عليهم وأوقعهم في الغبن لأنه ينظم حدثا في مدينة غير مدينته، أمر عجيب! ليأتي بعض الإنفصاليين ويحذروا هذه الدول كإشارة انتباه حمراء معلقة في السماء لا يحترمها إلا المخبولون ومن رفع عنهم القلم، زد على هذا أن ثروات ساكنة جنوب المغرب لا يستفيدون منها كما جاؤوا به! ونحن نتساءل: من أولئك القاطنون هناك؟! وإن قطنوا هناك، كيف يعيشون إن لم تمدهم الدولة بثرواتهم وتقسمها فيما بينهم ليسيروا شؤون أيامهم؟!

إن حضور كم كبير من رؤساء ووزراء وبرلمانيين ومسؤولين من مختلف دول العالم، لا يمكن أن يدل بحال من الأحوال على فلسفة التطبيع مع المغرب التي يدعيها الإنفصاليون، إذ من غير المعقول – حتى وإن سلمنا جدلا – أن يكون كل هؤلاء الحاضرين تلقوا هدايا من المغرب أو ما شابه، ولكن في حقيقة الأمر أن موضوع تنظيم المنتدى بمدينة الداخلة هو أمر عادي جدا بالنسبة لجميع الحضور، بحكم أنها مدينة مغربية من بين أقاليمه الجنوبية ارتأت رئاسة منتدى “كرانس مونتانا” تنظيمه بها لتجذرها بالمحيط الإفريقي عن قرب من جهة، ولمنحها إشعاعا دوليا يبرز مكانتها الجغرافية التي تمتاز بها من الجانب السياحي والتجاري والبحري من جهة أخرى، هذا بالإضافة إلى تماشي موقع المدينة مع موضوع اللقاء وهو سياسة جنوب جنوب، إذ تعد الداخلة نقطة بداية تطل على العمق الإفريقي الجنوبي وتعد منفذا استراتيجيا له.

وفي النهاية لا تبقى هذه الترهات إلا نقطا سوداء في تاريخ الإنفصاليين الذين لا يريدون للسلم أن يعم المنطقة ولا يتركون للحوار مجالا، بل يزيدون في غيهم، مع تسجيل أن المغرب سائر في خطاه بثبات، وعازم على إنماء المنطقة الجنوبية، وخير دليل على ذلك هو البدء بتطبيق جهوية موسعة متقدمة تحتوي الكل في ظل الوحدة الترابية للمملكة.

راديو تطوان-نور أوعلي(طالب باحث بماستر القانون ووسائل الاعلام)

قد يعجبك ايضا
اترك رد

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني.